الأحد، 14 ديسمبر 2014

البورصجي



كنت في غاية الانشكاح و انا لابس الروب الأسود و الزعبوط في حفلة التخرج من الجامعة. كنت حاسس زي ماكون حسام حسن و بستلم كاس الامم الافريقية ايام ما كنّا لسة بناخده بدل الخوازيق اللي عمالين ناخدها بقالنا ٥ سنين!  اتخيلت أني سامع الحاجة ياسمين الخيام و هي بتغني أغنية ماتشات الكورة "المصريين اهمه حيوية و عزم و همه". طبعاً لازم احس بالسعادة بعد البهدلة اللي اتبهدلتها لحد ماخدت الماجستير في أسواق المال و إدارة الاستثمارات المالية. و اللي زاد و غطي أني كمان كان عندي وظيفة مستنياني في احدي عواصم المال العالمية، يعني مفيش بعد كدة....مش ناقص الا العروسة، يا فرحتك بيا يامّه!

ابتديت الشغل و عدت الأيام و لقيت مديري بيقوللي انهم عايزين يبعتوني مصر علشان ادرس الاسواق المالية هناك و أعملهم تقرير عن الفرص الاستثمارية ...و طبعاً ده مش علشان سواد عيوني..ده كان علشان انا ابن البلد و بتكلم عربي! طبعاً وافقت بلا تردد! أهو برضه اقعد مع اهلي شوية و أعالج الحنين الجارف للبامية و الملوخية و الكوسة المحشية!

حالة السعادة اللي كنت فيها في الطيارة ماتأثرتش حتي بعد الأخت الفاضلة المضيفة ما دلقت عليا الشاي و القهوة و البيبس و حدفت الاكل في حجري و بوظتلي هدومي و بعد كدة زعقتلي أني كنت السبب في ده لأَنِّي كنت قاعد غلط علي الكرسي. كنت في منتهي الأسف لما جالي مساعد الطيار و وبخني و طلب مني أني اروح اعتذر للاخت المضيفة لأن نفسيتها وحشة جداً بعد اللي "انا" دلقته علي روحي! 

و صلت ارض الوطن و بدأت ارتب لقاءات مع الشركات المتعاملة في البورصة علشان افهم طبيعة السوق و استكشف فرص الاستثمار. رحت اول شركة و قعدت مع احد المسئولين فيها.

انا : يا تري ايه اهم القطاعات النشطة في السوق المصري؟
المسئول: قطاع الأمن المركزي
انا : أفندم؟
المسئول: يا باشمهندس قول يا باسط...قطاع ايه و زفت ايه؟ احنا شغالين بالبركة
انا : ازاي يعني؟
المسئول : يعني الحاج صاحب الشركة بيعمل صلاة استخارة كل يوم باليل و الأسهم اللي بتجيلة في المنام هي اللي بنشتغل عليها.

بصراحة ماجاليش قلب أكمِّل المقابلة. سبته و رحت علي ميعاد تاني في البنك المركزي

انا : يا تري ايه رؤية البنك المركزي لمعدل التضخم في مصر؟
المسئول : كل خير إنشاءالله 
انا : ايوة يعني توقعاتكم هيبقي كام السنة اللي جاية؟
المسئول : انت عايزه كام؟
انا : يعني ايه انا عايزه كام؟
المسئول : انت راجل ضيفنا و لازم نكرمك، قول بس انت عايزه كام السنة اللي جاية و انا و رحمة أمي هعملهولك زي ما انت عايزه...عيب يا باشا ده انت بلدنا و لازم نكرمك

طبعاً بعد ما سمعت الكلمتين دول حاولت جاهداً أني أقفل بقي و امنع تدفق الريالة منه. شكرت الراجل و قلتله معلش هبقي أجيلك مرة تانية علشان جالي حموضة عنيفة بشكل مفاجئ و لازم اروح للدكتور!

طبعاً نزلت من عنده و مشيت في الشارع بلا هدف و في حالة ذهول. ماحستش بنفسي الا و انا علي باب قهوة في وسط البلد. بصراحة كان نفسي اشرب شيشة فدخلت و طلبت شيشة و قهوة و انا أقاوم رغبة عارمه في الصويت علي حال الاقتصاد في البلد. لمحت من بعيد راجل قاعد و حوالين ناس كتير و هو منهمك في الكلام معاهم و هما عنيهم متعلقة بيه زي مايكون الراقصة الاهتزازية صافيناز قدامهم. سألت الجرسون بعد ما غمزته ٥  جنية

انا : هو مين الراجل اللي هناك ده؟
الجرسون : ده عّم منير، بييحي هنا كل يوم
انا : شكله كاتب او شاعر، صح؟
الجرسون : لا يا باشا ده بورصجي كبير اوي
انا : يعني ايه بورصجي؟
الجرسون : الناس بتديله فلوس يشغلهالهم في البورصة
انا : و يا تري بيكسب؟
الجرسون : الناس كلها بتشكر فيه، تحب يا باشا اعرّفك عليه؟
انا : مالوش لزوم، انا بس هانقل ترابيزه قريبة منه و اسمعه
الجرسون : تحت امرك يا باشا، هو صحيح الباشا بيشتغل ايه؟
انا : حلّاق

نقلت جنب عّم منير علشان اسمع بيقول للناس ايه

عّم منير : احنا باْذن المولي هنلعب علي سهم شركة الكتاكيت المتحدة بكره. انا مصادري بتقول ان السعر هيضرب في العلالي
رجل ١ : عرفت ازاي يا عّم منير؟
عّم منير : الواد ابن اختي شغّال سواق علي عربية نص نقل في سوق العبور و بيقول الطلب علي الفراخ زاد اوي الأسبوع اللي فات
رجل ٢ : طيب و سهم شركة الغول للفول اخباره ايه؟
عّم منير : لا ده فستك. الواد غندور بتاع عربية الفول اللي علي اول شارعنا بيقوللي بيجيبو فول صيني دلوقتي...

بطني وجعتني بعد لما سمعت الكلمتين دول و قمت روحت البيت. صحيت تاني يوم و معرفش ليه قلت اشوف الأسهم بتاعت عّم منير عملت ايه. اكتشفت ان اللي قاله الراجل حصل بحذافيره و أكيد كسب فلوس كتير اوي في العملية.

كلمت مديري في التليفون و قدمت استقالة شفهية و دخلت أوضتي و طلَّعت شهادة الماجستير وولّعت فيها و نزلت اقعد جنب عّم منير.

و العلم في الراس مش في الكرّاس




  

الخميس، 4 ديسمبر 2014

المصريين في بلاد المحجر!




اتعلمنا في المدارس و احنا عيال (ده علي أساس ان ده كان تعليم أصلاً) ان الشعب المصري له خصائص فريدة من نوعها. شعب اصيل، طيب، كريم، خدوم، محب للغريب، متلاحم، شجاع....الخ الخ. و كان الاستاذ العلّامة الجهبذ الحاج عبد الحميد ،مدرس اللغة العربية في مدرستي الإعدادية، بيأكد ده دائماً خاصة لما كان بيطيح فينا و ينزل ضرب في اي تلميذ حظه الأسود انه وقع في ايده و هو بينخرب في مناخيره في الحصة بتاعته. كنّا بنشوف عظمة و طيبة الشعب المصري بتتجلّي قدامنا بين آهات و صراخ زميلنا اللي بيتبهدل و حرفنة الحاج عبد الحميد في تسديد 
اللكمات و الركلات بشكل فني يفكرك بحرفنة محمد علي كلاي و رشاقة راقصى باليه بحيرة البجع.

اتربينا علي شعارات خليتنا نتأكد ان احنا أحسن ناس في الدنيا! و ان أصلا مفيش حد في الدنيا غيرنا! و كلام من 
عينة "لو لم أكن مصرياً لوددت ان أكون مصرياً". طبعاً! العالم كله بيغير مننا و نفسه يبقي زينا.

بعدما شددت الرحال الي بلاد الفرنجة بحثاً عن تعليم و فرصة اكتساب خبرات جديدة، كانت اول مهمة أني ألاقي أعضاء من الجالية المصرية علشان اعرف اظبط أموري في اول تجارب الغربة. 

الاستاذ مُحب: حمدالله علي سلامتك نورت البلد، الأخ منين؟
انا : الله يخليك، انا من وسط البلد في القاهرة
الاستاذ مُحب: أحسن ناس، و ناوي تقعد معانا علي طول ولا زيارة
انا : لسة عندي جامعة و بعد كدة هنشوف، حضرتك ايه رأيك؟
الاستاذ مُحب: بصراحة البلد هنا زي الزفت و صعبة اوي، ناس كتير زيك ماستحملوش اكتر من شهور.
انا : يا ساتر! ليه كدة؟
الاستاذ مُحب: بص انت شكلك ابن ناس وانا هقولك نصيحه لوجه الله، لو عايز تكمل في البلد دي، ابعد عن المصريين خاااالص
انا : ده علي أساس ان حضرتك من نيكاراجوا؟ طب ما انا و انت مصريين!
الاستاذ مُحب: بص يا حبيبي انا قلتلك و عقلك في راسك تعرف خلاصك....

طبعاً انا قلت ده راجل مجنون!

عدت الأيام و قابلت واحد مصري تاني...

الاستاذ موفَّق : يا أهلاً بيك يا حبيبي اتفضل اشرب حاجه
انا : أهلاً بيك
الاستاذ موفَّق : لو محتاج اي حاجه قل لي احنا اخوات في الغربة يعني
انا : الله يخليك انا كله تمام، انا عايز بس اي نصايح منك كدة تساعدني في التأقلم علي البلد
الاستاذ موفَّق : بص بيني و بينك كده، لو عايز تعيش و تنجح هنا...ابعد عن المصريين! خليك كده من بعيد لبعيد أحسن ممكن يجيبوك الارض
انا : برضه؟؟ ده الاستاذ مُحب نصحني نفس النصيحة!
الاستاذ موفَّق : يا شيخ؟ أهو انت بقي لازم تبعد عن مُحب ده بالذات! هيوديك في ستين داهية!
طبعاً انا كنت مذهول ان الكلام ده اتكرر مع تقريبا كل المصريين اللي قابلتهم و كانو بيحكولي قصص امنا الغولة عن ازاي كل واحد منهم اخد خوازيق من التاني. أومال فين بقي طيبة و حضارة المصريين؟ ما علينا...

لما لقيت الناس كلها بيخزوقوا في بعض قلت يا واد خليك في حالك و ملكش دعوة بأي حد. مذاكرة و شغل و سفر و ترحال لسنين طويلة بعد كده و كنت ابعد ما يكون عن الجالية المصرية. من نجاح الي نجاح في مجال عملي و عشت احلي ايام حياتي

خمستاشر سنة عدت و الدم حن أني أدوّر علي مصريين تاني..وحشوني. فعلا بدأت اعمل علاقات مع ناس متغربين زي حالاتي كده و كانت بصراحة أوقات جميلة و رجعولي ذكريات اجمل.

ابتسمت وانا اتذكر رحلتي مع الحياه و انا واقف في طابور استلام اعانة البطالة من الحكومة.

و مانشوفكوش فحاجة وحشة

      

مترو الإنفاق و لعنة الفراعنة!




المصريين بياخدو مصر معاهم في اي مكان يروحوه في العالم! طبعاً انا كفّرت سيئات زمايلي في احدى الجامعات الأوروبية بكلام و حكايات عن مصر. و لما كان التلفزيون هناك بيجيب  برنامج الباشمهندس زاهي حواس و هو واخد موميا ف حضنه و بيحكيلنا ازاي جوز خالتها هو اللي دق اسفين بينها و بين جوزها و كانت النتيجة انهم حنطوها بالمشقلب....كان البيت عندي زي مايكون نهائي كاس العالم، انا قاعد في الصالة و ماسك علم مصر، طابخلهم فول و طعمية و طحينة و حبشتكانات حرشة كدة لزوم القعدة طبعاً، و مشغّل الاغنية الأسطورية بتاعت شادية "يا حبيبتي يا مصر". زي مايكون مولد السيدة زينب. طبعاً انا كنت ببقي في منتهي الفخر و انا بشوف الانبهار و الإعجاب  في عيونهم...كلهم قالولي نفسهم يزوروا مصر بعد الجامعة...و انا طبعاً فتحت صدري و قلتلهم الجملة المصرية المأثورة "ملكوش دعوة انا هاظبتكم"

عدت الأيام و السنين و خلصنا الجامعة و كل واحد فينا راح لحاله. لحد يوم كدة بافتح الايميل لقيت رسالة من زميلة من الجامعة اسمها إنجريد بتقولي انها اخدت اجازة سنة من شغلها و هاتروح تزور بلاد كتير من ضمنها مصر كمان ٦ شهور. رديت طبعاً و قلتلها أهلاً و مرحباً و حسّيت بانبساط داخلي كده علشان العيال دول كلهم كانو وحشوني. و انا في طريقي للبيت، افتكرت أني متجوز! و افتكرت ان مراتي تطيق العمي ولا تطيق إنجريد بالتحديد من الصور اللي شافتها، مع أن عمر ماكان فيه اي حاجة بيننا اكتر من الزمالة. كمان انا ماليش في بنات السويد، بيض كدة و شقر و فارعي القوام...انا أحب السمراوات كده اللي شعرهم اكرت و دمهم حامي! علي العموم هانتصرف.

باقي أسبوع و إنجريد هتوصل! انا جاتلي فكرة جهنمية أني ابعت مراتي تزور اختها اللي متجوزة و عايشة في منغوليا مع جوزها مهندس مناجم الفحم. أهو تشوف اختها اللي بقالها سنتين ماشافتهاش و بالمرة تروح تزور قبر مثلها الاعلي جنكيزخان. 

بعد تلات ساعات من وصول الطيارة لقيت إنجريد يا عيني خارجة من صالة الوصول عرقانة و منكوشة و شكلها واخد علقة! استفسرت منها عن التأخير قالتلي ان السير بتاع الشنط كان عطلان و داخت لحد مالقت شنطها! طبعا حاولت اشرحلها ان ده عمره مابيحصل في مصر أبداً أبداً و أكيد الاخوان هما اللي ورا الموضوع ده! البنت تناست الموضوع لانها كانت مبسوطة انها هتحقق حلمها باستنشاق عبق التاريخ اللي انا قارفهم بيه من زمان. 

وصلنا الأوتيل بعد اربع ساعات من المعافرة مع السيد صلاح سالم مع ان المشوار ياخد ربع ساعة بس. يا عيني البنت اشفقت عليا من كتر التبريرات و الاعتذارات اللي عمال اقولها علشان أبرر الزحمة و ان ده مخطط ماليزي-صهيوني-أسيوطي للتأثير علي إرادة الشعب المصري الطاهر البريء!

قضينا كام يوم نزور الاثار و المناطق التاريخية و بذلت قصاري جهدي انها ماتتخطفش مني او حد يتحرش بيها و بيا في المناطق السياحية و المقاصد الثقافية. 

أمي طبعاً عملتلنا عزومه هايلة خصوصاً أني كنت وصيتها انها تعمل اكل خفيف! طبعاً كلمة اكل خفيف دي مش موجودة في قاموس امهاتنا ربنا يديهم الصحة. احنا بنعتبر الغدا او العشا معركة حياه او موت بينا و بين الجهاز الهضمي و المصران الغليظ! انا حسّيت ان إنجريد هاتطلع في الروح بعد تالت معلقة كشك و تاني صباع ممبار أمي كانت بتحشره في زورها...أومال ايه...المصريين أهل الكرم! و الضيف لازم نكرمه لحد مانجيب اجله.

انقذت البنت من الكرم المتوحش بتاع ابويا اللي متمثل في صينية كنافة بالكريمة معمولة بتلاتة طن سمنة بلدى! أخدتها و نزلنا نتمشي في وسط البلد افرجها علي الطراز الاوروبي الجميل اللي لسة محتفظ برونقه. و احنا في السكة، شافت محطة مترو الإنفاق و طلبت تتفرج عليه. وافقت علي مضض وانا متوجس من اللي ممكن يحصلها.

 و احنا تحت الارض الظاهر طبيخ أمي اشتغل و هجم علي الجهاز الهضمي الاوروبي المنشأ بتاع إنجريد و قالتلي عايزة تروح الحمام. لطمت علي وشئ و قلتلها بلاش وانها تحاول تمسك نفسها لحد مانوصل حته فيها مراحيض "غير عامة". سكتت ٥ دقائق و رجعت قالت مش قادرة تمسك نفسها و ابتدت تعرق و وشها يجيب ألوان! طبعاً انا معرفش فيه حمامات في الإنفاق عندنا من اصله ولا لأ. اخدت البت و جريت علي عسكري من بتوع الأمن و سالتة هو الحمام فين، بص لانجريد و قاللي انتو عايزين الحمام ليه؟ طبعاً مارديتش عليه و ستر ربنا أني شفت يافطة الحمامات قريبة مننا. دخلت البنت الحمام وانا وقفت برة ادعي ان ربنا يعديها علي خير و يحميها من عبق التاريخ الفرعوني اللي هتشمه في الحمام.

كنت في منتهي السعادة لما إنجريد بعتتلي جواب من المصحة النفسية اللي بتتعالج فيها في سويسرا بتقول فيه انها اتحسنت خالص و الدكاترة قالولها ممكن تخرج لما يلاقو علاج للعنة الفراعنة اللي جاتلها في زيارة مصر.

عمار يا مصر